هل حققت إسرائيل أهدافها في إيران بعد القصف المتواصل؟

بعد مرور أحد عشر يومًا من القصف المستمر، ما الذي استطاعت إسرائيل تحقيقه في إيران؟ لقد زعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في البيان الذي أعلن فيه عن وقف إطلاق النار، أن إسرائيل قد أتمت جميع أهدافها المرجوة. ولكن هذا الادعاء يثير العديد من الشكوك والتساؤلات، وذلك على أقل تقدير ممكن.
في بداية هذه الحرب القصيرة، قام نتنياهو بتحديد هدفين محوريين وغاية في الأهمية، وهما: "القضاء بشكل كامل على البرنامج النووي الإيراني" و "تغيير النظام الحاكم في إيران".
ولكن، هل تحقق ذلك بالفعل على أرض الواقع؟ أغلب الظن أن الإجابة هي لا. تشير المعلومات المتوفرة إلى أن إيران قد قامت بنقل المواد القابلة للانشطار من منشأة فوردو، التي كانت هدفًا للولايات المتحدة في وقت سابق، وهذه المواد تعتبر الركيزة الأساسية لبرنامجها النووي. وبالتالي، فإن عملية "الاجتثاث" المزعومة تبدو أقرب إلى الفشل الذريع منها إلى الإنجاز الحقيقي.
وفيما يتعلق بحجم الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالبرنامج النووي الإيراني، فإن الصورة لا تزال غير واضحة المعالم إلى حد كبير. صحيح أن إسرائيل قد نجحت في إقناع الولايات المتحدة باستهداف المنشآت الإيرانية النووية باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، إلا أن واشنطن لم تقدم دعمًا إضافيًا يذكر للهجوم الإسرائيلي. ومن الطبيعي جدًا أن يصعب تقدير حجم الدمار بدقة، إذ من غير المرجح أن تسمح إيران لأي جهة خارجية بمعاينة المواقع التي تم استهدافها.
أما فيما يتعلق بمسألة "تغيير النظام" داخل إيران، فإن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا لما كانت تسعى إليه إسرائيل. لقد راهنت تل أبيب على إشعال انتفاضة شعبية واسعة النطاق ضد النظام الحاكم، وذلك من خلال اغتيال القادة العسكريين البارزين في مختلف الأجهزة الأمنية الإيرانية، مستندة في ذلك إلى قناعة ثابتة بأن الطريق الأمثل لزعزعة استقرار خصمها هو تصفية كبار مسؤوليه.
لكن هذه الاستراتيجية لم تحقق أهدافها المرجوة على الإطلاق. والاستثناء الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه هو التأثير الذي خلفه مقتل حسن نصرالله على حزب الله في لبنان، مع العلم أن ذلك جاء إلى حد كبير بسبب الديناميكيات السياسية الداخلية اللبنانية المعقدة. أما سائر عمليات الاغتيال الإسرائيلية الأخرى فلم تؤدِّ إلى أي تحولات سياسية جوهرية وملموسة.
وفيما يتعلق بإيران، فقد أدت هذه الاغتيالات إلى التفاف الرأي العام حول الحكومة وتقوية موقفها بدلًا من زعزعته وإضعافه. فقد استهدفت إسرائيل كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، الذي يعتبر من أقوى الركائز التي يقوم عليها المشهد السياسي الإيراني، وأكثر الجهات التي لا تحظى بشعبية كبيرة من قبل الشعب الإيراني.
ومع ذلك، فإن الكثير من الإيرانيين، حتى أولئك الذين يصنفون من ألدّ الخصوم للجمهورية الإسلامية والحرس الثوري على وجه الخصوص، وجدوا أنفسهم يدعمونه، إذ رأوا أن الهجوم لم يكن موجهًا إلى "النظام" وحده، بل إلى إيران بأسرها، أرضًا وشعبًا.
ولم تسفر المحاولات الإسرائيلية لاستهداف "رموز النظام" إلا عن مفاقمة الوضع وتأزيمه. فقد روجت إسرائيل لغاراتها على سجن إيفين، المشهور بانتهاكاته وتعذيب المعتقلين السياسيين، وكأنها دعم صريح لنضال الشعب الإيراني ضد قمع الجمهورية الإسلامية. غير أن هذا القصف لم يسفر إلا عن تفاقم معاناة السجناء، إذ عمدت السلطات الإيرانية إلى نقل العديد منهم إلى مواقع مجهولة وغير معلومة.
أما قصف "ساعة نهاية إسرائيل"، الرمز الذي غالبًا ما يتباهى به الإسرائيليون كدليل واضح على سعي إيران إلى تدمير إسرائيل، فلم يكن سوى فعل يثير الشفقة والأسى.
وبالمثل، كان استهداف إسرائيل لمقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية IRIB ضربًا من العبث واللامعقولية، إذ زعمت أن ذلك سيساهم في تقويض قدرة النظام على نشر الدعاية المضللة. بيد أن هذا القصف منح إيران، كما أشار العديد من الإسرائيليين أنفسهم، الذريعة التي تحتاجها لتهديد محطات التلفزة الإسرائيلية بالمثل.
فهل نجحت إسرائيل، على الأقل، في استمالة الرأي العام الدولي إلى صفها، وإعادة رسم صورتها من دولة معتدية إلى دولة تخوض "حربًا عادلة"، بما يسهم في صرف الأنظار عن الأحداث الدامية في غزة؟
يبدو ذلك أمرًا مستبعدًا إلى حد بعيد جدًا. صحيح أن الولايات المتحدة قد شنت ضربات على منشآت نووية إيرانية، منتهكة بذلك العديد من قواعد القانون الدولي، وهو ما يرجح أن يخلف تداعيات بعيدة المدى، غير أن ترامب لم ينضم إلى إسرائيل في حملتها العسكرية، إذ سحبت القاذفات الإستراتيجية الأميركية فور انتهاء الضربات، من دون أن يكون لها أي دور قتالي مستدام إلى جانب تل أبيب.
وقبل الضربات وبعدها، كرر ترامب مرارًا وتكرارًا رغبته الشديدة في التوصل إلى اتفاق شامل بين الولايات المتحدة وإيران، ربما يشمل إسرائيل أيضًا. وتشير الدلائل المتوفرة إلى أن الرئيس الأميركي سعى إلى توظيف هذا الدعم المؤقت لخدمة مصالحه الخاصة ومصالح حلفائه في الخليج، أكثر من كونه التزامًا طويل الأمد بالدفاع عن أمن إسرائيل.
وفيما سارع العديد من زعماء العالم، وعلى رأسهم المستشار الألماني فريدريش ميرتس، إلى دعم الضربات الأميركية والتأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لم يتبنَّ أي منهم قائمة المطالب الإسرائيلية المتشددة، التي شملت اشتراط ألا يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم على الإطلاق.
وبدلًا من ذلك، عاد العالم إلى صيغة "لا أسلحة نووية" التي سبق أن أبدت إيران استعدادها الكامل للالتزام بها.
أما على صعيد التطورات الإقليمية الأخيرة، فقد بدأ المجتمع الدولي ينظر إلى إيران باعتبارها شريكًا مشروعًا في الأعمال والتعاون الإقليمي، الأمر الذي يعتبر نصرًا دبلوماسيًا كبيرًا لإيران وخسارة فادحة لإسرائيل.
ولا يمكن إغفال الأضرار البالغة التي أصابت العمق الإسرائيلي. فعلى الرغم من أن إسرائيل قد فرضت سيطرة جوية سريعة على إيران وشنت ضرباتها متى وأينما شاءت، فإن صواريخ إيران قد اخترقت مرارًا وتكرارًا منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة والمشهورة، وأصابت قلب إسرائيل وأرجاء واسعة من البلاد، مخلفة أعدادًا غير مسبوقة من القتلى والجرحى ودمارًا واسع النطاق.
بدأ مخزون صواريخ الاعتراض الإسرائيلي بالنفاد تدريجيًا من دون أمل قريب في إعادة التزويد، وتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لشلل شبه كامل، فكان ذلك نصرًا آخر يحسب لإيران في نهاية المطاف.
أما إيران، فقد خرجت من هذه الحرب وهي مثخنة بالجراح، ومتكبدة خسائر مادية وبشرية فادحة نتيجة للقصف المتواصل، إلا أن الجمهورية الإسلامية لم تنهار حتى أمام القوة العسكرية الإسرائيلية الضخمة.
أصابت صواريخ إيران أهدافها بدقة متناهية، وظلت صورتها أمام الرأي العام الدولي صورة الضحية التي تتعرض لعدوان إسرائيلي سافر.
وقد أظهرت إيران من القوة ما دفع ترامب إلى تحذير إسرائيل من أي هجوم آخر بعد أن بدا أن وقف إطلاق النار قد وضع على المحك. وهكذا خرجت إيران من هذه المواجهة – كما تحب دائمًا أن تظهر – صامدة، واقفة على قدميها بثبات، ومتمسكة بقدرتها الكاملة على رسم مسارها المستقبلي.